حبيبتي يا مصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook

اذهب الى الأسفل

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook Empty غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook

مُساهمة من طرف حبيبتي يا مصر السبت فبراير 16, 2013 6:28 pm

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان
أسباب ومقدمات غزوة بدر

د. راغب السرجاني

الواقع العام في المدينة المنورة

غزوة بدرالدولة الإسلامية لها من العمر الآن سنتان في المدينة، ورسول الله يقود الدولة، ولكن الوضع داخل المدينة ليس مستقرًّا أبدًا؛ فلدينا طوائف شتى من المشركين من قبيلتي الأوس والخزرج، ولدينا اليهود، ولدينا قريش، خاصةً بعد أن جرحت في كبريائها في سرية نخلة، وهناك أيضًا قبائل الأعراب المحيطة بالمدينة، والتي كانت تعيش قبل ذلك على الإغارة والسرقة، ووجود دعوة إسلامية في المدينة يحجِّم كثيرًا من أنشطة السلب والنهب لتلك القبائل، وهذا -لا شك- لا يعجب هذه القبائل، فالأوضاع إذن غير مستقرة بالمرَّة.

أهمية غزوة بدر

يوم الفرقان أو غزوة بدر كانت في 17 من رمضان سنة 2 هجرية، المعركة التي قلبت موازين العالم، أو بالأحرى عدَّلت موازين العالم المقلوبة.

ومن الأهمية بمكان أن نذكر أنه ليس من الضروري أن تحدث نقاط التغيير المحورية في العالم نتيجة صراع بين قوة عالمية أولى، وقوة أخرى في نفس وزنها وعلى قدرها، بل قد يبدأ التغيير بحدث لا يعطيه الناس أيَّ أهمية، بل قد لا يشعرون به أصلاً، فمن كان يسمع ببدر من الفرس والروم أو أهل الصين؟ بل تدبر معي: ما قيمة غزوة بدر أصلاً؟

إن بدرًا معركة بين ثلاثمائة ونيِّف من المسلمين أمام ألف من المشركين في نقطة مجهولة في الصحراء، وأيُّ محلل عسكري في ذلك الوقت لن يرى فيها أكثر من معركة بين قبيلتين أو مجموعتين من الناس، أو مشاجرة بين عائلتين، لا تحمل أيَّة خطورة على القوى العالمية الموجودة آنذاك.

إن جيوش الروم في ذلك الوقت كانت تقدَّر بالملايين، وجيش فارس كان يزيد على مليوني جندي، بينما كانت الشعوب تعيش على مساحات واسعةٍ من الأرض تُكوِّن الآن عشرات الدول.

إن معركة بدرٍ في التحليل السطحي معركة عابرة لا يُرجى أن يكون لها أيّ أثر من أيّ نوع، إلا في بعض النقاط غير المرئية في حياة الصحراء، ولكن التحليل العميق يثبت غير ذلك تمامًا، فبعد بدر ولدت أمة ثابتة راسخة لها رسالةٌ ولها هدف ولها طموح، تغير التاريخ البشري حقًّا بعد قيام دولة الإسلام، فقد نشأت الأمة التي حملت على عاتقها هداية البشرية، الأمة التي ستصبح خير أمة أخرجت للناس.

خرج الجيش الذي سيزلزل بعد ذلك عروش كسرى وقيصر.
غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook Ouuoo_14

يوم الفرقان

إن بدرًا معركة فرّقت بين مرحلة كانت فيها دولة الإسلام دولة ناشئة ضعيفة مهددة، ومرحلة أخرى صارت فيها هذه الدولة فتيَّة قويَّة لها اعتبار وشأن في المنطقة، وأصبح العالم كله يسمع عنها.

كانت بدر إذن لحظة فارقة حقًّا؛ لذلك ليس من المستغرب أن يسميها الله I يوم الفرقان.

إنَّ مقاييس الله I ليست كمقاييس البشر، فقد حدثت عدة صدامات وحروب مروعة بين الروم والفرس، ولم يتغير من واقع العالم ولا من وجه التاريخ شيءٌ، يقول تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الرُّوم: 1- 4].

فازت الروم أو هزمت الروم ليس لذلك أثرٌ في واقع الأرض، ما هي إلا لحظات عابرة في عمر البشرية، أمَّا الصدام البسيط الذي حدث بين المدينة المنورة ومكة فقد غَيَّر وجهَ الأرض إلى يوم القيامة.

لم تكن بدر أبدًا لحظة عابرة، بل كانت لحظة فارقة.

وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن نقف وقفة طويلة أمام غزوة بدر، فغزوة بدر لم تكن غزوة عظيمة بجغرافيتها أو خططها أو السلاح المستخدم فيها، إنما كانت عظيمة بأهل الحق فيها، ولو كانوا قلة بسيطة فقراء أو كما وصفهم القرآن أذلة: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123].

كانت بدر عظيمة بالطائفة المؤمنة النبيلة التي شاركت فيها.

من أجل هذه الطائفة حدثت تغييرات كونيَّة هائلة، فنزلت الملائكة وخضع الشيطان، بل نكص على عقبيه مذمومًا مدحورًا.

لا بد أن نقف وقفة لندرس هذه الطائفة المؤمنة.

هذه الطائفة هي معيار للجيش المنتصر.

إن جيش بدر مقياسٌ لجيوش المسلمين؛ فالجيش الذي يستطيع الاتصاف بصفات جيش بدر يستطيع تحقيق انتصارات كانتصار بدر، ويستطيع صناعة يومٍ يسمَّى (يوم الفرقان)، سواء كان ذلك الآن، أو من مائة سنة مضت، أو بعد مائة سنة قادمة، وإلى يوم القيامة.

أسباب غزوة بدر



قافلة مكية عائدة من الشام إلى مكة بقيادة أبي سفيان بن حرب، قافلة ككل القوافل التي خرج إليها المسلمون قبل ذلك، ومعظم القوافل التي قبل ذلك لم يحدث فيها قتال، وحتى القتال الوحيد الذي حدث في سرية نخلة كان قتالاً بسيطًا جدًّا بين عشرة من المسلمين وأربعة من الكفار.

لكن هذه القافلة كانت تختلف عن بقية القوافل في بعض الأمور المهمة:

أولاً: هذه القافلة من أكثر قوافل مكة مالاً، وضربها يمثِّل ضربة اقتصادية هائلة لمكَّة؛ ألف بعير مُوقَرَة بالأموال، لا تقل عن 50 ألف دينار ذهبي.

ثانيًا: هذه القافلة ليست بقيادة قائد مغمور من قواد مكة أو تاجر عادي من تجار قريش، وإنما هي بقيادة أبي سفيان بن حرب من سادة قريش ومن سادة بني أميَّة. ومن الواضح أن للقافلة عند قريش أهميةً بالغةً، ومن ثَمَّ جعلت لها حراسة مشددة وقوية مكوَّنة من ثلاثين أو أربعين رجلاً، في حين لم يكن على حراسة قافلة نخلة سوى أربعة رجال فقط.

ثالثًا: وهو الأهم، أن هذه القافلة تمرُّ بجوار المدينة في شهر رمضان، أي بعد شهر ونصف فقط من أحداث سرية نخلة، وموقف المؤمنين مع هذه القافلة يؤكِّد صلابة موقف المسلمين، واستمرارية حربهم ضد قريش، ويثبت أنهم ليسوا خائفين من آثار سريَّة نخلة، بل على العكس يعتبر هذا الخروج تأكيدًا لقوة المسلمين وتصميمهم، ولا شك أن هذا سيهزُّ كفار مكة.

ولذلك خرج الرسول بأكبر عدد من المسلمين إلى هذه اللحظة، فكل السرايا والغزوات السابقة لم يتجاوز عدد المسلمين فيها مائتين.

المسلمون في غزوة بدر كانوا 313 أو 314 أو 317 على اختلاف الروايات؛ ولذلك أيضًا خرج الأنصار ولأول مرة مع المهاجرين، بينما كانت الغزوات والسرايا التي قبل بدر كلها معتمدة كُلِّيَّةً على المهاجرين.
الرسول يستشير أصحابه في الخروج

كان خروج الأنصار برغبتهم وبشورى من رسول الله ، كما جاء في صحيح مسلم، وقد استشار رسول الله الناس في الخروج للقافلة، وأعلن الموافقةَ أبو بكر وعمر وكثير من المهاجرين، ومع ذلك أخذ الرسول يطلب المزيد من الرأي حتى قال سعد بن عبادة زعيم الخزرج: "إيَّانا تريدُ يا رسولَ الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نُخِيضَها البحر لأخضناها (أي الخيل)، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الْغِمَادِ لفعلنا". وخرج الأنصار وبعدد كبير[1].
حبيبتي يا مصر
حبيبتي يا مصر
Admin
Admin

الجنس : ذكر
الابراج : الميزان

عدد المساهمات : 1898
نقاط : 753850
السمعة : 1920
تاريخ الميلاد : 06/10/1973
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
العمر : 50
المدينة / البلد المدينة / البلد : مصر

https://habibti-ya-misr.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook Empty رد: غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook

مُساهمة من طرف حبيبتي يا مصر السبت فبراير 16, 2013 6:30 pm

الجيش الإسلامي في بدر
غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook 11517_10


كان عدد الأنصار في بدر مائتين وواحدًا وثلاثين:

61 من الأوس

170 من الخزرج.

بينما كان عدد المهاجرين 83 فقط.

وتزود الرسول بسلاح المسافر، وأخذ معه فرسين وسبعين من الإبل، وقسَّم جيش المسلمين إلى مهاجرين وأنصار، وأعطى راية المهاجرين لعلي بن أبي طالب، وأعطى راية الأنصار لسعد بن معاذ، وأعطى الراية العامَّة للجيش لمصعب بن عمير، وجعل على الساقة في مؤخرة الجيش قيس بن صعصعة؛ فهو إعداد في منتهى القوة، ولا تنسَ أن ذلك الجيش يخرج لقافلة يحرسها ثلاثون أو أربعون رجلاً، وهذا يعني أن الجيش الإسلامي عشرة أضعاف حُرَّاس قافلة مكة تقريبًا.

المخابرات الإسلامية حدَّدت أن القافلة ستمر قريبًا جدًّا من بدر، وبدر على بُعد 70 كم جنوب المدينة، واتَّجه الرسول مباشرة إلى بدر؛ لكي يقطع الطريق على القافلة.
أبو سفيان ينجو بالقافلة

على الناحية الأخرى كان على رأس القافلة المكيَّة أبو سفيان بن حرب، واحدٌ من أذكى وأدهى العرب، وهو أيضًا له مخابراته، وقد استطاع أن يعرف أن الرسول خرج من المدينة المنورة قاصدًا القافلة، لكنه لا يعرف إلى أيِّ مكان وصل الرسول .

ولكنه لم يُضِع الوقت؛ فأرسل رسالة سريعة إلى مكة لاستنفار جيش مكة للخروج لإنقاذ القافلة، أرسل الرسالة مع ضمضم بن عمرو الغفاري.

وبسرعة كان ضمضم في مكة، ووقف على بعيره، وشقَّ قميصه، وبدأ في الصراخ على أهل مكة: "يا معشر قريش، اللطيمةَ اللطيمةَ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمدٌ في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوثَ الغوثَ"[2].

قام الناس كلهم مسرعين، أخذوا الأمر في منتهى الجدية، فهم لم يفيقوا بعدُ من أزمة (سريَّة نخلة).

تكوين جيش المشركين

بدأت قريش في جمع المقاتلين من كل مكان، وعملوا على إعداد جيش على أعلى مستوى:

- ألف وثلاثمائة مقاتل من قريش، وما حولها من قبائل العرب. هناك ثلاثمائة رجعوا من الطريق.

- 100 فرس.

- 600 درع.

- إبل كثيرة لا يعرف عددها بالضبط، ولكنهم كانوا ينحرون للطعام فقط تسعة أو عشرة من الجِمَال في كل يوم.

- خرج على قيادة الجيش كل زعماء الكفر تقريبًا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبو جهل، وعقبة بن أبي معيط، ولم يخرج أبو لهب بل أخرج واحدًا مكانه.

- جعلوا على رأس الجيش أبا جهل، فرعون هذه الأمة وسيِّد قريش.

إعداد ضخم لجيش خطير، تعاون الجميع لإخراج هذا الجيش الكبير.

إبليس يتعاون في إتمام المعركة

تعاون مع كفار قريش الشيطان الأكبر إبليس لعنه الله، فعندما قررت قريش الخروج خافت من غدر بني بكر بها، وكان بينهما خلاف قديم؛ فكاد ذلك يقعدها، فتمثَّل لهم الشيطان في صورة سُراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة فقال لهم: "أنا جارٌ لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه"[3]. فخرجوا جميعًا، والقصة سندها صحيح، ولها أكثر من طريق. وسبحان الله! كم من المرات التي لا يعلمها إلا الله ساعد الشيطان أولياءه في حرب المؤمنين!

لكن كيد الشيطان هذا لا يسمن ولا يُغني من جوع، إنْ كان الله مع الفريق الآخر {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].

فكان الشيطان ممن دفع الكافرين للخروج إلى حتفهم في بدر.

أبو جهل نظير إبليس

كذلك فعل أبو جهل وهو من كبار شياطين الإنس؛ فقد ورَّط زعماء مكة جميعًا في الخروج، ودفعهم أيضًا بنفسه إلى حتفهم، وقصته مع أُمَيَّة بن خلف عجيبة، والقصة في صحيح البخاري.

أمية بن خلف وهو من عتاة الإجرام، كان صديقًا لسعد بن معاذ في الجاهلية، وفي أثناء زيارة سعد بن معاذ لمكة، قال سعد لأمية: إنه سمع رسول الله يقول: "إنهم قاتلوك".

فزع أمية بن خلف، وقال: بمكة؟

قال سعد: لا أدري.

ازداد رعب أميَّة، ورجع مسرعًا إلى أهله، وقال لزوجته: يا أم صفوان، ألم تَرَيْ ما قال لي سعد؟

قالت: وما قال لك؟

قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنهم قاتليَّ. فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري. فقال أمية: والله لا أخرج من مكة[4].

وهذه القصة تؤكِّد لنا أن أهل الباطل في يقين تامٍّ من داخلهم أن أهل الإيمان على الحق، وأن كلامهم صحيح لا خطأ فيه، حق لا باطل فيه، لكن الكبر والبطر يمنعهم من الإيمان، فلا بد لكل مؤمن أن يتأكَّد تمامًا أن عدوَّه من داخله على رعبٍ منه وفزع شديد، مهما كان ظاهره قويًّا، وجيشه كبيرًا، وأعوانه من الكثرة بمكان.

فعندما قرر جيش مكة الخروج خشي أمية أن يخرج؛ لأنه يعرف أن كلام رسول الله صدق. حضر إليه أبو جهل فقال له: يا أبا صفوان، إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيِّد أهل الوادي تخلفوا معك. في البداية رفض أمية، لكن أبا جهل أرسل إليه عقبة بن أبي معيط، وعقبة -كما نعرف- مجرم بل من أكابر مجرمي مكة، فأحضر مِجْمَرة لعطر النساء ووضعها بين يدي أمية، وقال له: إنما أنت من النساء. قال أمية: قبحك الله! لكن مع إصرار سيد قريش أبي جهل وافق مضطرًّا، ومع ذلك دبَّر خطة لكي تنقذه من القتل، قرر أن يشتري أجود بعير في مكة؛ لكي يستطيع الهرب عليه. ورجع البيت يتجهز للخروج، فقالت له أم صفوان: يا أبا صفوان، أوَقَدْ نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا، ما أريد أن أَجُوزَ معهم إلا قريبًا[5]. وفي أثناء الطريق قرر الرجوع أكثر من مرة، ولكنه فشل حتى وصل بدر، وكان مصيره الذي أخبر به رسول الله ، سبحان الله! {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطَّارق: 15- 16].

أحيانًا يكون رأس الباطل هو الذي يدفع جنده إلى الهلكة، استمع إلى الله يقول: {اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].

كان أبو جهل يعتقد أن هذا هو أفضل إعداد، وأنه قد مكر بالمسلمين، ولكن: {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].

د. راغب السرجاني

[1] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر (1779) ترقيم عبد الباقي.
[2] ابن هشام: السيرة النبوية، طبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1375هـ، 1/ 609.
[3] ابن كثير: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1396هـ- 1971م، 2/ 386.
[4] البخاري: كتاب المغازي، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر (3734) ترقيم البغا.
[5] السابق نفسه.







حبيبتي يا مصر
حبيبتي يا مصر
Admin
Admin

الجنس : ذكر
الابراج : الميزان

عدد المساهمات : 1898
نقاط : 753850
السمعة : 1920
تاريخ الميلاد : 06/10/1973
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
العمر : 50
المدينة / البلد المدينة / البلد : مصر

https://habibti-ya-misr.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook Empty رد: غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook

مُساهمة من طرف حبيبتي يا مصر السبت فبراير 16, 2013 6:32 pm


الرسول يستشير أصحابه قبل بدر

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook 11522_10

أبو سفيان بن حرب يدعو قريشًا للرجوع

وأمرهم شوري بينهمخرج جيش مكة الذي أعده رأس الكفر أبو جهل لعنه الله، لكن في الطريق وقبل أن يصلوا إلى بدر وصلتهم رسالة ثانية من أبي سفيان بن حرب، يقول فيها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا.

والقصة أن أبا سفيان اكتشف تحركات الجيش المسلم، وعرف أنه سينتظر في بدر، وبسرعة غيَّر اتجاهه ناحية الغرب، وسار على ساحل البحر الأحمر وأفلت بالقافلة، وأبو سفيان كان يرى أنه لا داعي للدخول في صدام دون إعداد جيد، والأفضل تدبير أمر الجيش بتروٍّ.

هذه الرسالة وجدت هوًى في قلوب معظم الجيش المكي، أمية بن خلف وغيره، كان الكل يريد الرجوع، لكن أبا جهل قام لهم يدفعهم دفعًا، كما دفع فرعون جنده للدخول في البحر خلف موسى؛ قال أبو جهل للجيش: "والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدرًا، فنقيم عليه ثلاثًا (كعادة الجيوش المنتصرة)، فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونُسقي الخمر، وتعزف القيان (المطربات)، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا"[1].

انقسام في الجيش المكي:

برغم إصرار أبي جهل إلا أن مجموعة من المشركين انشقَّت عن الصف ورفضت إكمال الطريق، وكان يقود هذه المجموعة الأخنس بن شريق، وأخذ معه بني زهرة بالكامل وكانوا ثلاثمائة رجل وعاد بهم. والانقسامات داخل حزب الباطل نصرٌ كبير للمؤمنين.

أصبح تعداد الجيش المكي ألف مقاتل، وأكمل هذا الجيش الطريق حتى نزل قريبًا من بدر عند مكان يعرف بالعدوة القصوى على حدود وادي بدر.

عودة إلى الجيش المؤمن:

نقلت الاستخبارات الإسلامية خبرين في منتهى الأهمية:

الخبر الأول: هروب القافلة.

الخبر الثاني: جيش مكة على مقربة من بدر.

أصبح الوضع الآن من الخطورة بمكان، فإعداد المسلمين كان قويًّا جدًّا بالنسبة لقافلة تجارية، لكنه ضعيف جدًّا بالنسبة لجيش نظاميّ خرج مستعدًّا للقتال، ماذا نفعل؟!

لا يوجد إلا أحد خيارين:

الرجوع إلى المدينة وتجنُّب القتال، أو التقدم إلى بدر والصدام المروع.

ومن الآن كل موقف سيحمل ملمحًا من ملامح النصر، كل موقف ستكون فيه إشارة إلى عامل من عوامل نصر الأمة.

نحن قلنا: إن كل صفات الجيش المنتصر اجتمعت في جيش بدر، وأيُّ جيل مسلم يريد أن ينتصر لا بد أن يعرف صفات جيش بدر كاملة، ولا بد أن يستوعب سورة الأنفال جيدًا، السورة التي تحدثت عن غزوة بدر.

أصبح أمام رسول الله أحد خيارين:

الرجوع أو القتال؛ من داخله هو يريد القتال، فالرجوع له آثار سلبية كبيرة؛ الرجوع سيهزُّ صورة المسلمين جدًّا، وسيضيِّع مكاسب سرية نخلة، وسيشجع الكفار على التمادي في الحرب على المسلمين، فكلما يرجع المسلم خطوة يحتلها عدوه، ولا يُستبعد مطلقًا إذا رجع الجيش المسلم أن يستمر الجيش المكي في المسير ويغزو المدينة، وساعتها سيكون الخطر أكبر.

لكن في الوقت نفسه لم يكن رسول الله قائدًا دكتاتورًا كأبي جهل، فالقائد الدكتاتور يعتقد في داخله أن رأيه فقط هو الرأي الصحيح، وأنه يفهم في كل المجالات، ومن ثَمَّ فلا داعي لأن يضيِّع وقته ووقت شعبه في أيِّ استشارات، لكن الرسول لم يكن كذلك أبدًا.

تطبيق مبدأ الشورى:

رسول الله كان يستشير أمته في كل القضايا التي لم ينزل فيها وحي، طبعًا إذا كان هناك أمر من الله في قضية من القضايا لا يجوز للمسلمين أن يتشاوروا في تطبيق الأمر من عدمه، لكن إذا لم يكن هناك أمر من الله، فلا بد من الشورى، فكل تحركاته كانت بشورى، عندما خرج من المدينة للقافلة خرج بشورى، وعندما قرَّر أن يحارب لم يحارب إلا بشورى، وسنرى الشورى في مواضع أخرى كثيرة في بدر. إذن نستطيع أن نقول ببساطة: إن من أهم ملامح الجيش المنتصر، أنه جيش يعظّم الشورى، الشورى الحقيقية، وليست التمثيليات الهزلية على الشعب، بل شورى حقيقية تهدف إلى قرار يصلح الأمة.

عقد الرسول مجلسًا استشاريًّا كبيرًا، تبادل فيه الرأي ليس فقط مع قادة الجيش ولكن مع عامة الجيش، فالقضية خطيرة. قام المستشار الأول لرسول الله أبو بكر الصديق وأيد الحرب ضد الكافرين، وكذلك قام المستشار الثاني عُمَر بن الخطاب فقال نفس الكلام، ثم قام المقداد بن عمرو وقال كلامًا رائعًا، هذا الكلام الذي قاله المقداد علَّق عليه عبد الله بن مسعود بعد ذلك وقال: "شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا، لأن أكون صاحبه أحبُّ إليَّ مما عدل به"[2].

أي أنه ليس هناك موقف أحسن من ذلك الموقف.

موقف المقداد بن عمرو وسعد بن معاذ:

قال المقداد بن عمرو:
"يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ"[3].

رسول الله سُرَّ كثيرًا بكلام المقداد، ومن قبله بكلام أبي بكر وعمر، لكنه ما زال يطلب الاستشارة ويقول: "أشيروا عليَّ أيها الناس"[4].

وقد كان رسول الله في مواقف كثيرة يكتفي باستشارة أبي بكر وعمر، ويقول: "لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما"[5].

ولكنه هنا ما زال ينتظر استشارة، وحتى بعد كلام المقداد، فلماذا؟

الرسول لم يسمع رأي الأنصار، الأنصار قبل ذلك في المدينة أعلنوا موافقتهم على الخروج معه إلى القافلة، لكن الآن ليس هناك قافلة، هناك جيش وجيش كبير، والرسول يعلم أنه لو أمر الأنصار لأطاعوه، فهم في أعلى قمم الإيمان، لكن الرسول يذكر بيعة العقبة الثانية، وفيها بايع الأنصار على نصرة الرسول إذا قدم إليهم في المدينة، ولم يبايعوه على الحرب خارج المدينة.

والأمر ليس فيه تكليف إلهي الآن فيسمع الجميع ويطيع، ولكنها الشورى. والرسول لا يريد أن يُكرِه الأنصار على القتال، فشتَّان بين مَن يقاتل وهو مكرَه، ومن يقاتل وهو راغب في الجهاد.

ولا ننسى أن الأنصار ثلثا جيش المسلمين، هذا الطلب المتكرر للاستشارة لفت نظر سعد بن معاذ ؛ فقام وقال: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال رسول الله بصراحة: "أجَلْ".

قال سعد (واسمع وتدبر فهذه من أبلغ صفات الجيش المنتصر):

"فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ، فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَّا عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّنَا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ"[6].

ثم قال (وتكلم في صراحة):

"لَعَلَّكَ تَخْشَى أَنْ تَكُونَ الأَنْصَارَ تَرَى حَقًّا عَلَيْهَا أَنْ لاَ تَنْصُرَكَ إِلاَّ فِي دِيَارِهِمْ، وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ، فَاظْعَنْ حَيْثُ شِئْتَ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ، وَمَا أَمَرْتَ فِينَا مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنُا تَبَعٌ لِأَمْرِكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ"[7].

هؤلاء هم الأنصار! لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق.

سمع الرسول هذا الكلام، فتحرك في منتهى النشاط، وقال للناس في حماسة:

"سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَوَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ"[8].

بل في رواية مسلم أن عمر بن الخطاب، ذكر أن الرسول مرَّ مع المسلمين على أرض بدر ليلة المعركة، وعرَّفهم أين يموت كل طاغية من طواغيت مكة، وكان يقول: "هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله".

فما أخطأ رجلٌ الموضع الذي حدده رسول الله.

د. راغب السرجاني

[1] ابن كثير: السيرة النبوية 2/399.

[2] البخاري: كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم" (3736) ترقيم البغا.

[3] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة المائدة (4333)، وأحمد (12041، 12977) طبعة مؤسسة قرطبة. وانظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 615.

[4] ابن هشام: السابق نفسه 1/ 615.

[5] رواه أحمد (18023). وعلق عليه شعيب الأرناءوط قائلاً: إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وحديث عبد الرحمن بن غنم عن النبي مرسل.

[6] ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 615.

[7] ابن القيم: زاد المعاد، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة عشرة، 1986م، 3/ 153.

[8] ابن هشام: السيرة 1/ 615.



***************************************************************************************
حبيبتي يا مصر
حبيبتي يا مصر
Admin
Admin

الجنس : ذكر
الابراج : الميزان

عدد المساهمات : 1898
نقاط : 753850
السمعة : 1920
تاريخ الميلاد : 06/10/1973
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
العمر : 50
المدينة / البلد المدينة / البلد : مصر

https://habibti-ya-misr.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook Empty رد: غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook

مُساهمة من طرف حبيبتي يا مصر السبت فبراير 16, 2013 6:34 pm



في ميدان المعركة

د. راغب السرجاني

يوم بدر، يوم الفرقان إنها ساعة الصفر، الجيشان أمام بعضهما.

قام رجل من المشركين اسمه الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وأقسم أن يشرب من حوض المسلمين أو ليموتَنَّ دونه.

انظر كيف يمكن أن يكون حجم الضلال، كفاح وتضحية واستعداد للموت من أجل قضية فاسدة {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} [فاطر: 8].

وقام الرجل ليبرَّ بقسمه، لكن قابله الأسد حمزة بن عبد المطلب وضربه ضربة قطعت ساقه، ومع ذلك -سبحان الله- فقد كان الرجل مصرًّا على الوفاء بقسمه، وزحف على الأرض ليصل إلى ماء بدر، لكن حمزة أدركه وقتله قبل أن يصل إلى مراده.

كانت هذه نقطة مهمة جدًّا لصالح المسلمين، وليس المهم مَن هذا الشخص الذي قتل، ولكن المهم أن هذا حدث في أول دقيقة من المعركة، فكان هذا توفيقًا كبيرًا من رب العالمين، رفع معنويات المسلمين، وأحبط معنويات الكافرين.
غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook 11526_10

المبارزة قبل المعركة:

تحرك الغيظ في قلوب زعماء الكفر، فنهض ثلاثة من الزعماء بأنفسهم يطلبون المبارزة مع ثلاثة من المسلمين، وكانت هذه عادة في الحروب القديمة، أن يتبارز أفراد قلائل كنوع من الاستعراض، ثم يبدأ الهجوم العام الشامل بعد ذلك.

من الذي قام من الكفار؟ أمر عجيب.

لقد قام ثلاثة من عائلة واحدة!

قام عتبة بن ربيعة القائد القرشي الكبير، وقام أخوه شيبة بن ربيعة القائد القرشي الكبير أيضًا، وقام ابن أخيه الوليد بن عتبة أحد فرسان قريش المشهورين.

هذه مجموعة من أفضل فرسان مكة.

لكن العجيب الذي يلفت النظر هو قيام عتبة بن ربيعة.

عتبة بن ربيعة كان من الحكماء المعدودين في قريش، وكان من أصحاب الرأي السديد في أمور كثيرة، وكان يدعو قريشًا أن تخلي بين رسول الله وبين العرب، ولا يقاتلوه، وكان يقول إن هذا الرجل ليس بشاعر ولا كاهن ولا ساحر ولا بكاذب، وكان يرفض فكرة القتال في بدر بعد إفلات القافلة، وكان إلى آخر لحظة يجادل المشركين في قضية القتال، لدرجة أن الرسول نظر إليه من بعيد قبل بدء المعركة، وكان عتبة يركب جملاً أحمر، فقال لأصحابه: "إِنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ، إِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا"[1].

لكن القوم لم يطيعوه، وأصرُّوا على القتال.

وللأسف الشديد! دخل عتبة معهم المعركة ولم يرجع كالأخنس بن شريق.

وللعجب الشديد، خرج في أول من خرج للمبارزة والقتال.

لقد كان عتبة بن ربيعة مصابًا بمرض الإمَّعِيَّة.

حكيم في الرأي، ولكن يسير مع الناس، إذا أحسنوا أحسن، وإذا أساءوا أساء، ضعيف الشخصية، مهزوز، متردد.

وهذا الذي أَرْداه فأصبح من الخاسرين.

وهذا النموذج نراه كثيرًا: أشخاص ذوو رأي سديد، تُعقد عليهم الآمال في تغيير مَن حولهم، ولكنهم يخيبون تلك الآمال، ويسيرون مع التيار؛ فيهلكون.

خرج الفرسان الثلاثة يطلبون القتال، فخرج لهم ثلاثة من شباب الأنصار.

لكن الفرسان المشركين قالوا: لا حاجة لنا بكم، إنما نريد أبناء عمِّنا.

نريد قتالاً قرشيًّا قرشيًّا.

فقال رسول الله: قم يا عبيدة بن الحارث (عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه).

قم يا حمزة (عمه).

قم يا علي بن أبي طالب (ابن عمه).

وانتبهوا لهذا الاختيار، كلهم من الأقربين، مع أن القتال خطير، لكن القائد وعائلته يعيشون حياة الناس تمامًا، ويتعرضون لكل مشاكل الأمة، وفي أوائل المضحين والمجاهدين.

وبدأت المبارزة!

يوجد اختلاف في الروايات حول مَن بارز مَن؟ لكن رواية أحمد وأبي داود تقول: إن علي بن أبي طالب بارز شيبة، وإن حمزة بارز عتبة، وإن عبيدة بن الحارث بارز الوليد بن عتبة[2].

والتقت السيوف، واحتدم الصراع، وارتفعت الآهات، ثم بدأت الدماء تسيل بل تتساقط الأشلاء.

دقائق معدودة وانتهت الجولة الأولى من الصراع، ومرة ثانية لصالح المسلمين.

الله أكبر، ولله الحمد!

علي بن أبي طالب قتل شيبة.

وحمزة بن عبد المطلب قتل عتبة، لم تنفع عتبةَ حكمتُه.

وأصيب عبيدة والوليد بإصابات بالغة، فانطلق عليٌّ وحمزة على الوليد بن عتبة فقتلاه، وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين.

في أول وقود للمعركة أربعة قتلى للمشركين.

واشتعلت أرض بدر بالقتال.

هجوم شامل كاسح في كل المواقع.

صيحات المسلمين ترتفع بشعارهم في ذلك اليوم: أَحَدٌ أَحَد.

صليل السيوف في كل مكان، والغبار غطَّى كل شيء.

الصدام المروع الذي يحدث للمرة الأولى بين المسلمين والكافرين.

التربية بالجنة

ومع كل الحماسة التي كان المسلمون فيها إلا أنهم ما زالوا في حاجة للتشجيع والتحفيز أكثر وأكثر؛ لأن الموقف صعب، بل غاية في الصعوبة، هنا يأتي دور التحفيز بشيء، ليس هناك مؤمن واعٍ فاهم يكسل أو يتعب عندما يسمعه.

جاء وقت التذكير بالجنة.

رفع رسول الله صوته ليُسمِع الجميع:

"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ إَلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ"[3].

الكلام عجيب، هذا الكلام لا يمكن أن يفهمه علماني، ولا يمكن أن يفهمه كافر أو فاسق.

الكلام عجيب؛ لأن الرسول لم يحفز الناس على الدفاع عن حياتهم، بل حفزهم على فَقْد حياتهم.

يا الله! انتبه لهذا القول: "لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا".

من كان يعيش لدنيا، وقُتِل فَقَدَ كل شيء.

لكن من كان فاهمًا لمعنى الجنة سيكون للقتل عنده معنى آخر، ولكن الجنة ليست على الأرض.

الجنة تأتي بعد الموت، يعني الموت هو الحاجز الوحيد بين الشهيد الذي يقتل في أرض القتال، وبين الجنة.

الموت هو الحاجز الوحيد لو عبرناه دخلنا الجنة.

الشهيد يدخل الجنة بغير حساب.

فلو جاء الموت صِرْنا من أهل الجنة. إذن يا ليت الموت يأتي.

سبحان الله!

الموت المكروه عند عامَّة البشر، يصبح أمنية بل أسمى الأماني لمن فَقِه حقيقة الجنة.

- "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". رواه البخاري عن أبي هريرة.

- وروى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله : "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدِّهِ (سوطه) فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا (ما بين السماء والأرض أو ما بين المشرق والمغرب)، وَلَنَصِيفُهَا (خمارها) عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".

لا يمكن للإنسان أن يكون عنده يقين في هذا الكلام؛ ثم لا يشتاق إليه.

لذلك فالجيش المنصور جيش يحب الموت فعلاً.

كلمة خالد بن الوليد المشهورة التي ذكَّرناكم بها قبل ذلك: "جئتكم برجال يحبون الموت، كما تحبون أنتم الحياة".

وعندما تكلم الرسول عن الأمة المهزومة ذكر من صفاتها الوَهْن.

فسُئل: وما الوهن؟

فقال: "حبُّ الدنيا، وكراهيةُ الموت"[4].

فلو وُجِد هذا في نفوس الأمة هُزِمَت، ولو أحبت الأمة الموت وُهِبَت النصر، ووهبت الجنة.

إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل الراحل كان يقول تعليقًا على اتهام اليهود له بعدم القدرة على السيطرة على حماس والجهاد؛ قال: أتحدى أيَّ جهاز مخابرات في العالم يقاوم أُناسًا يريدون أن يموتوا.

كلام في منتهى الدقة.

حقًّا من المستحيل أن تقاتل إنسانًا يريد أن يموت.

بم ستخيفه؟ هل ستقول له: سأقتلك؟

هذا هو ما يريده.

بل هو خائف ألا يموت.

هل منا من يريد أن يموت؟!

يتمنى الموت؟!

يبحث عن الموت؟!

هل منا أحد جاهز للموت؟!

كتب وصيته؟!

يفكر في يوم يموت فيه في سبيل الله؟!

لو أنك لا تتمناها ولا تبحث عنها، فأنت لا تعرف الجنة.

هذا الكلام ليس كئيبًا، ولا حزينًا.

الكئيب فعلاً أن تقف يوم القيامة تنتظر الحساب يومًا واثنين، وسنة واثنتين، وأنت ترى الشهداء حولك يُسرِعون إلى الجنة من غير حساب.

ولا تقل: أين الجهاد؟ وأين القتال؟

المسألة مسألة صدق، ومسألة نيَّة.

تريد أم لا تريد؟

لو أردت ستنال الأجر، وتدخل الجنة وإن متَّ على فراشك.

"مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"[5].

ولو لم تُرِدْ فلن تنال أجر الشهادة، حتى لو فُتِحَ لك ألف باب للجهاد.

المسألة إنما هي صدق النية مع الله تعالى.


من مواقف الصحابة في بدر:

موقف عمير بن الحمام في بدر

انظروا، ماذا فعلت الجنة في الصحابة في بدر.

عمير بن الحمام يقف بجانب الرسول، والرسول يقول: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالأَرْضُ".

كم مرة سمعنا هذه الكلمات؟

كثيرًا.

كم مرة عملنا لها؟

قليلاً.

عمير بن الحمام سمع هذه الكلمة، فقال متعجبًا: عرضها السموات والأرض!!

الإنسان منا يكافح سنين طوالاً لكي يصبح عنده شقة، أو سيارة، أو بعض الأموال، أو بعض السلطات.

كل هذا لا يمثل واحدًا على مليون مليون من الأرض.

فكيف بالجنة التي عرضها السموات والأرض؟! ما شكلها؟!

عمير يتعجب: عرضها السموات والأرض!

قال : "نَعَمْ".

سبحان الله! هكذا في منتهى الإيجاز.

لا شرح ولا تفصيل.

وعمير بن الحمام يتلقى بمنتهى اليقين، لا جدال، لا محاورة.

قال عمير: بَخٍ بَخٍ (كلمة للتعجب).

قال له : "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟"

ممَّ تتعجب؟ أتشك في هذا الكلام؟

أسرع عمير يقول: لا والله يا رسول الله، ما قلتها إلا رجاء أن أكون من أهلها.

قال : "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا".

يا الله!

عمير يعلم أنه من أهل الجنة، وهو ما زال يمشي على الأرض، أرض بدر.

بينه وبين الجنة فقط أن يموت.

لم يعُدْ قادرًا أن يعيش لحظة واحدة على الأرض.

كان يمسك بيديه بعض تمرات يتقوَّى بها على القتال.

وبعدها فكَّر.

أيُّ تمرٍ هذا الذي أريد أن آكله؟!

أين ثمار الجنة، وطيور الجنة، وشراب الجنة، وحوض الرسول في الجنة؟

فألقى بالتمرات على الأرض، وقال كلمة عجيبة؛ قال:" لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة"[6].

أَكْلُ التمرات حياة طويلة!!

هل سأنتظر ثلاث أو أربع دقائق آكل فيها التمر؟ هذا كثير.

ألقى بنفسه وسط الجموع الكافرة.

استشهد، دخل الجنة، هو -يقينًا- في الجنة.

أليس هذا كلام الرسول "لاَ يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ؛ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ"؟!

ثم إنه قالها تصريحًا لعمير بن الحمام، قال: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا".

أهل الدنيا، طلاب الدنيا يظنون أن عميرًا خسر، مات في عزِّ شبابه كما يقولون، لم يستمتع بحياته، لكن المقاييس الصحيحة ليست هكذا

روى الترمذي -وقال: حسن صحيح- عن كعب بن مالك قال: قال رسول الله: "إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَعْلَقُ[7] مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ"[8].

موقف عمير بن أبي وقاص:

- عمير بن أبي وقاص شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، في تعريف منظمة الصحة العالمية طفل (الأطفال في تعريفهم أقل من 18 سنة).

وفي تعريف القيم والأخلاق والمبادئ والعقائد من سادة الرجال.

تقدم وهو في هذه السن الصغيرة؛ ليجاهد مع المجاهدين في بدر، لكنه كان خائفًا.

من أيِّ شيء كان خائفًا؟ هل يخاف أن يموت؟ لا، بل يخاف ألا يموت.

يخاف أن يرده الرسول ؛ لأنه ما زال صغيرًا.

أخذ يتوارى بين القوم حتى لا يراه الرسول فيرده.

رآه أخوه المجاهد العظيم سعد بن أبي وقاص .

فقال له: ما يحملك على هذا؟

قال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني ويردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة.

رآه الرسول ، فأشفق عليه من القتال، وردَّه.

بكى عمير ؛ فستضيع عليه فرصة الموت في سبيل الله.

ولكن رقَّ له رسول الله ، وسمح له بالجهاد[9].

جاهد، اشتاق بصدق للشهادة، استشهد، دخل الجنة.

فَهِم عمير بن أبي وقاص وهو لم يُكَلَّفْ إلا منذ سنتين أو ثلاث، وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره، ما يعجز عن فهمه أشياخ وحكماء وعباقرة.

الجنة!

منهج تربوي إصلاحي واقعي، لا يرقى إليه أيّ منهج من مناهج الدنيا.

موقف عوف بن الحارث

- عوف بن الحارث سأل رسول الله : يا رسول الله، ما يُضحك الرب من عبده؟ قال: "غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا"[10].

هنا ألقى عوف درعه وقاتل حاسرًا.

هذا الفعل يلقي الرعب في قلوب العدو؛ لأنه يعبر عن إنسان لا يهاب الموت بل يطلبه.

قاتل عوف وقاتل وقاتل، حتى قُتِل، اُسْتُشهد، دخل الجنة.

موضوع الجنة لم يغب أبدًا عن أذهان الصحابة ؛ لذلك انتصروا.

من قبل أن يأتي الجيش بدرًا وهو يبحث عن الجنة.

وفي أرض بدر يبحث عن الجنة.

وبعد بدر يسأل عن الجنة.

موقف سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة:

- قبل الخروج إلى بدر سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة.

الاثنان يريدان أن يخرجا للجهاد في بدر، لكن عندهما بنات كثيرات، ولا بد أن يخرج أحدهما، بينما يبقى الآخر ليرعى البنات.

الاثنان يريدان أن يخرجا، الاثنان طالبان للجنة بصدق، لم يرضَ أحدهما بالتنازل، فقررا إجراء قرعة، فخرج سهم الابن سعد بن خيثمة، تحسَّر أبوه، تحسر حسرة حقيقية، فقال لابنه برجاء: يا بُنيَّ، آثرني اليوم. دعني أخرج، فَضّلني على نفسك، أنا أبوك؛ لكن سعدًا ردَّ بجواب يفسر قصة الجيش المنصور، قال في أدب: يا أبتِ، لو كان غير الجنة فعلت[11].

أيُّ شيء في الدنيا يمكن أن أتنازل عنه لك، إلا الجنة.

وإلا فلماذا أحيا أنا في هذه الدنيا، لو لم يكن للحصول على الجنة؟

لا يمكن أن أضيع هذه الفرصة.

وخرج سعد بن خيثمة بهذه الروح، وهذا الصدق.

وقاتل سعد بن خيثمة، واستشهد، ودخل الجنة التي يريد.

اللطيف والجميل أن خيثمة أبوه، خرج في (غزوة أُحُد) بعد بدر بسنة، واستشهد أيضًا، أترون الصدق؟

وحتى بعد بدر، كل الناس يسألون عن الجنة.

الشعب كله طالبٌ الجنة.


موقف أم حارثة بن سراقة:

- أم حارثة بن سراقة استشهد ابنها حارثة في بدر، شاب صغير مات مقتولاً في مثل هذا الموقف، تطيش عقول، وتضطرب أفئدة، ويتزلزل رجال ونساء.

لكن أم حارثة جاءت تسأل عن شيءٍ محدَّد.

يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تَرَ ما أصنع.

أهمُّ أمرٍ بعد الموت: جنة أم نار؟ هذا هو المفروض أن يشغلنا.

فقال لها رسول الله:

"يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى"[12].

الله أكبر! لماذا؟ لأنه مات صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر.

استراحت أم حارثة، تقبلت أمر موت ابنها الشاب ببساطة وبصبر وباحتساب، بل بسعادة؛ لأن من يحب أحدًا يحب له الخير.

ولا خير أحسن من الجنة.

هؤلاء هم أهل بدر، صفاتهم الجميلة كثيرة، لكن أهمها أنهم جيش مؤمن فعلاً، مؤمن بالله، ومؤمن بالرسول، ومؤمن بالجنة، ومن غير الإيمان مستحيل أن يكون هناك نصر.

حب الجنة منهج تربوي:

صورة لحديقة معبر عن الجنة ومكتوب "حب الجنة منهج تربوي"

هذا الكلام لا نقوله كنوع من الترف الفكري، أو القصص التاريخي الذي ليس له واقع في حياة الناس.

هذا الكلام نريد أن يصبح منهج حياتنا، منهج تربية الأطفال والرجال والنساء، منهج تربية الشعب كله.

وبدونه لا توجد فرصة إصلاح.

دعكم من مناهج الشرق والغرب، ومناهج الإصلاح الوهمية المبنية في الأساس على طلب الدنيا وبأيِّ وسيلة.

هذه المناهج لا تُورِث إلا كآبةً وتعاسةً في الدنيا، وشقاءً وذلاًّ في الآخرة.

إياكم أن تظنوا أن الغرب والشرق من أصحاب المال والسلطة والجاه والملك يعيشون في سعادة.

أبدًا!!

فمَنْ يفقد منهم ماله ينتحر.

من يمت له ابن أو حبيب يكتئب، وينعزل عن المجتمع.

من يتعرض لمصيبة تصبح نهاية العالم بالنسبة له.

من وجد نفسه فقيرًا، أو من عائلة صغيرة، أو في وضعٍ اجتماعي متدنٍّ، فإنه يعيش معقَّدًا حاقدًا على المجتمع، حاسدًا لكل الأغنياء، ومن الممكن أن يصير سارقًا أو قاتلاً أو مرتشيًا أو فاسدًا، ويعيش حياة الإجرام.

روى الحاكم عن أنسٍ أن رجلاً أسود أتى النبي، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: "فِي الْجَنَّةِ". فقاتل الرجل حتى قُتِل، فأتاه النبي فقال: "قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحُكَ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ".. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم[13].

أقلُّ أهل الجنة ملكًا له عشرة أمثال الدنيا، إذن لا مقارنة بين نعيم الجنة ومتاع الدنيا كلها.

الجنة فيها سلوى وتعويض لكل مؤمن فَقَدَ شيئًا من الدنيا.

الجنة فيها جزاء لكل من تعب، أو سهر، أو بذل مجهودًا في الإصلاح.

الجنة صبرَّت أم حارثة.

الجنة شجَّعت عمير بن الحمام، وعمير بن أبي وقاص، وسعد بن خيثمة، وحارثة بن سراقة.

الجنة جعلت الحباب بن المنذر يقول رأيه لكي يفيد المسلمين.

الجنة جعلت المكروه محبوبًا، جعلت الموتَ مطلوبًا.

انظر ماذا قال الرسول لأصحابه ولنا:

"أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا (أي: لا مثل لها)، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ ونَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ".

الصحابة لم يعودوا قادرين على الصبر على فراق الجنة.

قالو: يا رسول الله، نحن المشمرون لها.

قال: "قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ".

ثم يقول الراوي أسامة بن زيد رضي الله عنهما: ثم ذكر الجهاد وحضَّ عليه[14].

إذن أعطاهم الرسول شيئًا عمليًّا يدخلون به الجنة.

والحديث في صحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه.

يوم تملأ الجنة علينا حياتنا بهذه الصورة.

يوم تصبح الجنة هدفًا واضحًا في تفكيرنا.

يوم تصبح الجنة في عقلنا عندما نأخذ قرارًا، أو نعمل عملاً، أو نقول كلمة، أو نضحك ضحكة، أو نسافر أو نقعد، أو نحب أو نكره.

يوم تصبح الجنة محرِّكًا لكل حياتنا.

ساعتها سنرى نصرًا كنصر بدر.

وساعتها سنرى تمكينًا وعزة وسيادة، كما حدث بعد بدر.

ونسأل الله أن يفقهنا في سننه.

د. راغب السرجاني

[1] الهيثمي: مجمع الزوائد، تحقيق عبد الله الدرويش، دار الفكر، بيروت، 1994م، 6/99، رقم الحديث (9954). قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات.
[2] رواه أبو داود (2665)، وأحمد (948)، وصححه الألباني.
[3] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الأول (الجزء الأول والثاني) ص627.
[4] رواه أبو داود (4297)، وأحمد (22450)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (958).
[5] مسلم: كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى (1909) ترقيم عبد الباقي، والنسائي (3162) ترقيم أبي غدة، وابن ماجه (2797) ترقيم عبد الباقي. قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (6276) في صحيح الجامع.
[6] مسلم: كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد (1901)، وأحمد (12421). قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (4426) في صحيح الجامع.[7] تعلق: ترعى.
[8] رواه الترمذي (1641). قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (1559) في صحيح الجامع.
[9] الواقدي: المغازي، تحقيق مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت، 1/21.
[10] ابن كثير: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1971م، 2/410.
[11] الحاكم: المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م، 3/209، رقم الحديث (4866). وعلق عليه الذهبي في التلخيص فقال: مرسل وإسناده ضعيف.
[12] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من أتاه سهم غرب فقتله (2654) ترقيم البغا، والترمذي (3174) ترقيم أحمد شاكر، وأحمد (13767).
[13] الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م، 2/ 103، رقم الحديث (2463).
[14] رواه ابن ماجه (4332) ترقيم عبد الباقي، وابن حبان في صحيحه (7381) ترقيم شعيب الأرناءوط.




******************************************************************
حبيبتي يا مصر
حبيبتي يا مصر
Admin
Admin

الجنس : ذكر
الابراج : الميزان

عدد المساهمات : 1898
نقاط : 753850
السمعة : 1920
تاريخ الميلاد : 06/10/1973
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
العمر : 50
المدينة / البلد المدينة / البلد : مصر

https://habibti-ya-misr.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook Empty رد: غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook

مُساهمة من طرف حبيبتي يا مصر السبت فبراير 16, 2013 6:36 pm

الصحابة وغنائم غزوة بدر
غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان facebook 11518_10

الأثر السلبي على المؤمنين بسبب الغنائم

غزوة بدر الكبريكما كان لغزوة بدر أثر سلبي على المشركين؛ نتيجة للهزيمة المنكرة لهم من المسلمين، فقد كان لغزوة بدر أيضا أثر سلبي على المؤمنين؛ وكان هذا الأمر بسبب الغنائم التي حصَّلها المسلمون بعد غزوة بدر، ويصف عبادة بن الصامت هذا الأمر فيقول: "حين اختلفنا في النَّفَلِ وساءت فيه أخلاقُنا"[1].

فهو يتحدث عن الجيش المنتصر الذي يمتلك صفات عظيمة للغاية، إلا أنه في هذه القضية ساءت فيه الأخلاق، كما قال عبادة بن الصامت .

ما قصة هذه الغنائم؟

بعد انتهاء الجولة الأولى من غزوة بدر، وبداية ظهور ملامح النصر الباهر للمسلمين، بدأ المشركون في الفرار، وبدءوا يلقون الغنائم خلفهم، فقسَّم المسلمون أنفسهم ثلاثة أقسام: قسمٌ منهم يحمي رسول الله خوفًا عليه من محاولة اغتيال أو مثل ذلك، وقسمٌ آخر يتبع الفارّين من المشركين، والقسم الثالث بدأ في تجميع الغنائم الموجودة على أرض المعركة.

وبعد انتهاء المعركة اختلف الناس في توزيع هذه الغنائم، وكان حكم الله لم ينزل بعدُ في أمر الغنائم، فقال الذين جمعوا الغنائم: "نحن حويناها وليس لأحد فيها نصيب".

وقال الذين خرجوا في طلب العدو: "لستم أحق بها منا، نحن نَحَّينا عنها العدو". وقال الذين أحاطوا رسول الله : "خفنا أن يصيب العدو منه غرة؛ فاشتغلنا به"[2]. وبدأ نوع من الشقاق والخلاف بين المؤمنين.

أريد أن أقول: ليس معنى أن جيشًا يمتلك كل مقومات النصر أنه بلا أخطاء، فهم بشرٌ، وكل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون. حدث هذا الخلاف وأراد كل طرف أن يأخذ من الغنيمة، ما طبيعة هذه الغنيمة، إنها الدنيا!! ما من شك أن المسلمين جميعًا في المعركة كانوا يطلبون الآخرة، ومن ثَمَّ تمّ لهم النصر، ثم لما ظهرت لهم الدنيا، وهم لم يُختبروا قبل ذلك في شأن الدنيا، فقد ظلوا ثلاث عشرة سنة في مكة يذوقون فيها ألوانًا من القهر والتعذيب والبطش، والفقر والأذى المستمر، وعاشوا مدة أخرى في المدينة المنورة سنوات شاقة وعسيرة وصعبة، ثم إنهم لأول مرة يرون هذه الغنائم، وهم عندما خرجوا من المدينة المنورة كانوا في حالة فقر شديد، وكان النبي يرفع يده ويقول: "اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَطْعِمْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ"[3].

والآن وعلى أرض بدر هناك غنائم ضخمة، وهم في حاجة شديدة، وهذه ليست مبررات الخطأ، ولكنها خلفياته؛ فحدث الخلاف والشقاق.

تعامل القرآن الكريم مع المشكلة

نزل القرآن الكريم يشرح للمؤمنين كيفية تقسيم الغنائم، ولكن قبل هذا أعطى لهم درسًا في غاية الأهمية، ونزلت سورة الأنفال وفي أول السورة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1].

يستنكر ربنا I على المسلمين الذين حققوا هذا الانتصار الباهر في غزوة بدر، أن يهتموا بأمر الدنيا للدرجة التي ينشأ فيها الخلاف بينهم بسببها {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].

ثم يُعلمِهم الله ما هو الإيمان، بعيدًا عن الجهاد والبذل والقتال في سبيل الله، وبعيدًا عن أرض بدر وما حدث فيها من أحداث ضخمة من أحداث الإيمان، يُعرِضُ عن ذلك كله ويقول سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2- 4].

ثم يوضح الله ويبين لهم أنهم عندما خرجوا ما كانوا يريدون بدرًا، يقول : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 5- 8].

وفي الآيات نوعٌ من الشدة على المسلمين، ونوع من اللوم؛ كيف تفكرون في أمر الدنيا وقد تحقق لكم هذا الانتصار العظيم لأنكم فكرتم في الآخرة، فلا تضيِّعوا النصر.

ونزلت هذه الآيات على المسلمين بردًا وسلامًا، وبمجرد سماعهم لهذه الآيات ثابوا إلى رشدهم، وعادوا إلى ربهم، واجتمعت القلوب من جديد، وقبلوا أمر الله ، وهذا فارقٌ ضخم وكبير بين موقعة بدر وموقعة أُحد.

فالمسلمون في بدر لم يخرجوا عن كونهم من البشر، يخطئون كما يخطأ عامة البشر، لكن عندما ذُكِّروا بالله تذكروا؛ أما في غزوة أُحُد -كما سيتبيَّن إن شاء الله- عندما أخطأ المسلمون نفس هذا الخطأ -الغنائم والدنيا- وذُكِّروا لم يتذكَّروا، فكانت المصيبة، وهذا ما سنعرفه بالتفصيل في غزوة أُحُد.

لكن في بدر عندما ذُكِّر المسلمون قبلوا جميعًا بأمر الله ، وقسَّم النبي الغنائم على السواء، كما يقول عبادة بن الصامت ، فأعطى أربعة أخماس الغنائم للجيش وتمَّ تقسيمها بالتساوي، واحتفظ بالخمس للدولة، وكان له حق التصرف فيه، وهذا هو التشريع في أمر الغنائم الذي يجب أن يُعمل به إلى يوم القيامة، وفي هذا تفصيلات كثيرة.

وظهر هنا مرض سوف يكبر بعد ذلك في قلوب المؤمنين، وستكون له آثارٌ كبيرة على المؤمنين بعد سنة من هذا التوقيت.

د. راغب السرجاني

[1] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الأول (الجزء الأول والثاني) ص642.

[2] المباركفوري: الرحيق المختوم، دار الوفاء، مصر، الطبعة السابعة عشرة، 2005م، ص 209.

[3] الواقدي: المغازي، تحقيق مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت، 1/26.
حبيبتي يا مصر
حبيبتي يا مصر
Admin
Admin

الجنس : ذكر
الابراج : الميزان

عدد المساهمات : 1898
نقاط : 753850
السمعة : 1920
تاريخ الميلاد : 06/10/1973
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
العمر : 50
المدينة / البلد المدينة / البلد : مصر

https://habibti-ya-misr.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى